كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> سيأتي في خبر اللبن فطرة قال القرطبي يعني بها فطرة ‏[‏ص 297‏]‏ دين الإسلام كما قال تعالى ‏{‏فطرة الله‏}‏ الآية ثم قال ‏{‏ذلك الدين القيم‏}‏ وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة لأن اللبن أول ما يتغذى به الإنسان وهو قوت خلي عن المفاسد به قوام الأجساد ولذلك آثره المصطفى صلى الله عليه وسلم على الخمر ليلة الإسراء ودين الإسلام كذلك بل هو أول ما أخذ على بني آدم وهو كالذر ثم هو قوت الأرواح به قوامها الأبدي وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع علامة على الغواية وقد أعاذ الله تعالى نبيه من ذلك طبعاً وشرعاً‏.‏

- ‏(‏حم د ت‏)‏ وقال حسن ‏(‏ه هب عن ابن عباس‏)‏ رضي الله عنه قال كنت عند ميمونة فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه خالد فجاؤوا بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال خالد‏:‏ أخالك تقذره فقال‏:‏ أجل ثم أتى بلبن فذكره وظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أن ما ذكر جميعه هو لفظ الحديث والأمر بخلافه فقد ذكر الصدر المناوي عن الخطابي أن قوله فإنه إلى آخره من قول مسدد لا من تتمة الحديث‏.‏

478 - ‏(‏إذا أكل أحدكم طعاماً‏)‏ ملوثاً وفرغ من الأكل ‏(‏فلا يمسح يده بالمنديل‏)‏ بكسر الميم ‏(‏حتى يلعقها‏)‏ بفتح أوله يلحسها بنفسه ‏(‏أو يلعقها‏)‏ غيره بضم أوله يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كحليلته وخادمه وولده وتلميذه لأن المسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة والمراد باليد الأصابع بدليل خبر مسلم كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها فأطلق اليد على الأصابع ويحتمل أن المراد الكف كلها فيتناول من أكل بكل كفه أو بأصابعه أو ببعضها قال في محاسن الشريعة وأراد بالمنديل هنا المعد لإزالة الزهومة لا للمسح بعد الغسل وظاهر الخبر أنهم كان لهم مناديل معدة لمسح الأيدي ولا ينافيه ما في خبر أنهم لم يكن لهم مناديل لأن ذلك كان في أول الأمر قبل ظهور الإسلام وانتشاره فلما ظهر وحث على النظافة اتخذوا لهم مناديل لما قبل الغسل ولما بعده ففيه ندب اتخاذ ذلك ورد على من كره لعق الأصابع استقذاراً، نعم لا يفعله أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه فيستقذر فإن احتاج لإزالة ما بيده مسحها بالمنديل ومحل ندب مسح اليد بعد الطعام كما قال عياض في ما لم يحتج فيه للغسل لغمر أو لزوجة وإلا غسلها أي بعد اللعق لإزالة الريح‏.‏ قال العراقي‏:‏ والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والارشاد وحمله الظاهرية على الوجوب وبالغ ابن حزم في المحلى فقال هو فرض قال العراقي وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو إلعاقها‏.‏

- ‏(‏حم ق د ه عن ابن عباس حم م ن ه عن جابر‏)‏ بن عبد الله ‏(‏بزيادة‏)‏ تعليل وهو قوله ‏(‏فإنه لا يدري في أي‏)‏ جزء من أجزاء ‏(‏طعامه‏)‏ تكون ‏(‏البركة‏)‏ أفيما أكل أو في الباقي بأصابعه أو الباقي بأسفل القصعة‏؟‏ قال القرطبي‏:‏ ومعناه أنه تعالى قد يخلق الشبع عند لعقها فلا يترك شيئاً احتقاراً له فيحفظ تلك البركة بلعقها قال النووي‏:‏ والمراد بالبركة ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من نحو أذى وتقوى على الطاعة انتهى ومما علل به ندب اللعق أيضاً أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ومنه يؤخذ أن تقييد المسح بالمنديل لا مفهوم له وأن المنهي عنه المسح بأي شيء كان وذكر المنديل لبيان الواقع غالباً‏.‏

479 - ‏(‏إذا أكل أحدكم طعاماً فليلعق أصابعه‏)‏ قال العراقي‏:‏ أطلق الأمر بلعق الأصابع والمراد بها الثلاث التي أمر بالأكل بها في حديث مسلم وغيره وهو دال على أن أكله عليه الصلاة والسلام كان بهذه الثلاث فقط وقول ابن العربي‏:‏ ‏[‏ص 298‏]‏ إن شاء أحد أن يأكل بخمس فليأكل فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بخمس غير قويم إذ لا يسلم أنه لا يمكن تعرق العظم ونهش اللحم إلا بالكل بل يمكن بثلاث وبفرض عدم إمكانه ليس هذا أكلاً بكل الأصابع بل هو مسك بالأصابع فقط لا أكل بها وتقدير كونه أكل بها فهل محل ضرورة كمن لا يمين له فأكل بشماله انتهى وفي خبر الطبراني كان يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام‏.‏ قال المؤلف في شرح الترمذي‏:‏ والوسطى تكون مثالاً فيبقى فيها الطعام أكثر ولأنها لطولها أول ما ينزل فيه ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه ثم الإبهام ‏(‏فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة‏)‏ أي ما يحصل به التغذي ويقوى به على الطاعة كما تقرر، ومنه أخذ أن الكلام فيما يحل تناوله وذكر اسم الله عليه قيل وقد يراد بالبركة صلاحية كون الطعام بصفة صالحة للإنسانية‏.‏

- ‏(‏حم م ت عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي ‏(‏طب عن زيد بن ثابت‏)‏

بمثلثة ‏(‏طس عن أنس‏)‏ بن مالك رضي الله عنه‏.‏

480 - ‏(‏إذا أكل أحدكم طعاماً‏)‏ ملوثاً ‏(‏فليغسل يده‏)‏ التي أكل بها ‏(‏من وضر‏)‏ بالتحريك ‏(‏اللحم‏)‏ أي دسمه وريحه وزهومته فإن إهمال ذلك والمبيت به يورث اللمم والوضح كما جاء في أخبار أخر وغسل اليد بعد الأكل مندوب مطلقاً وإنما أراد أنه من اللحم آكد‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وإسناده ضعيف‏.‏

481 - ‏(‏إذا أكل أحدكم‏)‏ أي أراد أن يأكل ‏(‏فليأكل‏)‏ قال الحراني‏:‏ في تقديم الأكل على الشرب إجراء الحكم على هذا الشرع على وفق الطباع ولأنه سبب العطش ‏(‏بيمينه‏)‏ من اليمين وهو للبركة ‏(‏وإذا شرب فليشرب بيمينه‏)‏ لأن من حق النعمة القيام بشكرها ومن حق الكرامة أن يتناول باليمين ويمميز بها بين ما كان من النعمة وما كان من الأذى فيكره تنزيهاً لا تحريماً عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا لعذر كما أرشد إلى بيان وجه العلة بقوله ‏(‏فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله‏)‏ حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا ينكره أو المراد يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليصاد به الصلحاء وأخذ جمع حنابلة ومالكية منهم ابن العربي من التعليل به حرمة أكله أو شربه بها لأن فاعله إما شيطان أو يشبهه وأيدوه بما عند مسلم وغيره عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن أكل عنده بشماله كل بيمينك فقال‏:‏ لا أستطيع فقال‏:‏ لا استطعت فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو جاز لما دعا عليه وجوابه أن مشابهته للشيطان لا تدل على الحرمة بل للكراهة ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الإمتثال كما هو بين

- ‏(‏حم م د عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ‏(‏ن عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي ورجال أحمد ثقات‏.‏

482- ‏(‏إذا أكل أحدكم‏)‏ أي أراد أن يأكل ‏(‏فليأكل بيمينه‏)‏ أي بيده اليمنى ‏(‏وإذا شرب‏)‏ أحدكم ‏(‏فليشرب بيمينه‏)‏ كذلك ‏(‏وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه‏)‏ قال العراقي‏:‏ هذا خرج مخرج الغالب في أكل كل أحد بيده فلو أطعمه غيره بشماله كان داخلاً في النهي بدليل خبر لا تأكلوا بالشمال ‏(‏فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله‏)‏ فخالفوه أنتم ‏[‏ص 299‏]‏ لما ذكر قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب وبه جزم الغزالي والنووي لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الأكل رأس الثريد والتعريس على الطريق والقران في التمر وغير ذلك مما ورد الأمر بضده حرام وميل القاضي في منهاجه للندب لخبر كل مما يليك وتعقبه التاج السبكي بأن الشافعي نص في موضع على أن من أكل مما لا يليه عالماً بالنهي عصى قال وقد جمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ويدل لوجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال في مسلم وغيره‏.‏

<تنبيه> قال ابن عربي‏:‏ لما أنكر الجهلة أن يكون للشيطان جسماً أنكروا أن تكون له يدان وقد جاءت الأخبار بإثبات اليد له والعقل لا يحيله واليمين والشمال هما حد الجسم من جهة العرض والفوق والتحت حده من جهة الطول‏.‏

- ‏(‏الحسن بن سفيان في مسنده‏)‏ المشهور ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه‏.‏

483 - ‏(‏إذا أكل أحدكم طعاماً فسقطت لقمته‏)‏ أي الآكل أو من يطعمه ‏(‏فليمط‏)‏ أي فليأخذها وليزل ما بها ‏(‏ما رابه منها‏)‏ أي ما حصل عنده من شك مما أصابه مما يعافه وفي رواية فليمط عنها الأذى ‏(‏ثم ليطعمها‏)‏ بفتح التحتية وسكون الطاء أي ليأكلها ندباً ‏(‏ولا يدعها‏)‏ أي لا يتركها ‏(‏للشيطان‏)‏ جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين، والمانع من تناول تلك اللقمة غالباً إنما هو الكبر وذلك من عمل الشيطان كذا قرره بعض الأعيان فراراً من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان وحمله بعضهم على الحقيقة وانتصر له ابن العربي فقال‏:‏ من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون وذلك جائز عقلاً ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار فلا يخرج عن المضمار إلا حمار‏.‏ ومن رعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم‏.‏ قال‏:‏ وقوله ولا يدعها للشيطان دليل على أنه لم يسم أولاً ولذلك اختطفها منه‏.‏ قال العراقي‏:‏ وفيه نظر فإن ظاهر الحديث أن ما سقط من الطعام على الأرض أو ترك في الإناء يتناوله الشيطان سواء سمى على الطعام أم لا، قال‏:‏ وقد حمل الجمهور الأمر بأكل اللقمة الساقطة بعد إماطة الأذى عنها على الندب والإرشاد وذهب أهل الظاهر على وجوبه‏.‏ قال النووي‏:‏ والمراد بالأذى المستقذر من نحو تراب وهذا إن لم تقع بمحل نجس وإلا فإن أمكن تطهيرها فعل وإلا أطعمها حيواناً ولا يدعها للشيطان

- ‏(‏ت عن جابر‏)‏ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث ثم ذكره قال الترمذي حسن صحيح فاقتصار المؤلف رحمه الله على الرمز لحسنه تقصير‏.‏

484 - ‏(‏إذا أكلتم الطعام‏)‏ أي أردتم أكله ‏(‏فاخلعوا نعالكم‏)‏ انزعوها من أرجلكم مبتدئين باليسار ندباً كما يأتي في خبر وعلله بقوله ‏(‏فإنه‏)‏ أي الخلع المفهوم من فاخلعوا ‏(‏أروح لأقدامكم‏)‏ أي أكثر راحة لها وظاهره لا يطلب خلعها للشرب ولفظ رواية الحاكم كما رأيته في نسخة بخط الحافظ الذهبي أبدانكم بدل أقدامكم وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره وأنها سنة جميلة وفيه تنبيه على علة مخالفة جفاة الأعراب وأهل البوادي، وأفاد بقوله أروح أن ذلك مطلوب وإن كانت القدم في راحة‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وأبو يعلى ‏(‏ك عن أنس‏)‏ قال الحاكم صحيح فشنع عليه الذهبي وقال أحسبه موضوعاُ وإسناده مظلم وموسى بن محمد أحد رجاله تركه الدارقطني وقال الهيتمي عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني رجال الطبراني ‏[‏ص 300‏]‏ ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكوتي لم أجد له عن محمد بن الحارث سماعاً انتهى وقال في الكبير لأن تصحيحه متعقب‏.‏

485 - ‏(‏إذا التقى‏)‏ من اللقاء قال الراغب‏:‏ وهو مقابلة الشيء ومصادفته معاً وقد يعبر به عن كل منهما قال الإمام‏:‏ اللقاء أن يستقبل الشيء قريباً منه ‏(‏المسلمان بسيفيهما‏)‏ فيضرب كل منهما الآخر قاصداً قتله عدواناً بغير تأويل سائغ ولا شبهة فالمراد أنهما التقيا يتقاتلان بآلة القتال سيفاً أو غيره وإنما خص السيف لأنه أعظم آلاته وأكثرها استعمالاً ‏(‏فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل‏)‏ بالفاء جواب إذا ‏(‏والمقتول في النار‏)‏ إذا كان قتالهما على عداوة دنيوية أو طلب ملك ونحوه ومعنى في النار أن حقهما أن يكونا فيها وقد يعفو الله ‏(‏قيل‏)‏ أي قال أبو بكرة رواية لما استغرب ذلك من جهة عدم تعدي المقتول ‏(‏يا رسول الله هذا القاتل‏)‏ يستحق النار ‏(‏فما بال المقتول‏)‏ أي فما ذنبه حتى يكون فيها ‏(‏قال‏)‏ صلى الله عليه وسلم ‏(‏إنه‏)‏ أي المقتول ‏(‏كان حريصاً على قتل صاحبه‏)‏ أي جازماً بذلك مصمماً عليه حال المقاتلة فلم يقدر على تنفيذه كما قدر صاحبه القاتل فكان كالقاتل لأنه في الباطن قاتل فكل منهما ظالم متعد ولا يلزم من كونهما في النار كونهما في رتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط وأفاد قوله حريصاً أن العازم على المعصية يأثم وأن كلا منهما كان قصده القتل كما تقرر لا الدفع عن نفسه فلو قصد أحدهما الدفع فلم يندفع إلا بقتله فقتل هدر المقتول لا القاتل، وخرج بقولنا بلا تأويل ما لو كان به كقتال علي وطلحة فإن كلاً منهما لديانته وفرط صيانته كأن يرى أن الإمامة متعينة عليه لا يسوغ له تركها‏.‏